مــعــــركــــة بن سحــــابـة الشـــــــــــــهيرة
30 جويلية 1957
إن الشهورا لقليلة التي قضيتها في ناحية سور الغزلان كضابط للجيش الفرنسي ، في مركز بن سحابة (أولاد مريم) مكنتني – مع مواصلة النشاط الثوري الذي بدأتة في العمرية – من إدراك مظهر جديد للثورة الجزائرية ، وهو المظهر النفساني و الإجتماعي.
في كل يوم سوق ، تتوجه المصالح النفسانية التابعة للجيش الفرنسي إلى إحدى القرى ، وتقوم بفضل وسائل النشر والدعاية الحديثة ، بإحباط عمل الإرشاد الذي يقوم به المحافظون السياسيون.
كاانت النتائج مختلفة حسب قابلية الجماهير أو لا مبالاتها او عدائها ، لكن هناك أمر يبدو أكيدا ، وهو أن في كل مكان تمر المصالح النفسانية يسيطر على العقول الشك والقلق والخوف.
بذلك ادركت الخطر الذي يهدد ناحيتنا ، وكلفت الخلايا المختصة ، التابعة للعمل النفساني ان تعمل أن تعمل في السر ، على التنديد بالصبغة الوهمية و المغرضة للأخبار والوعود التي تطلب منهم سردها على الجماهير.
لكن مصالح الأمن كانت يقظة مع الأسف ، وأصبحت بعد حين مراقبا مراقبة مكشوفة و موضع شك بيين لدرجة أنني قررت الإلتحاق برجال المقاومة.
لم يبد مجلس الولاية اية معارضة بعد الإطاع على مشروعي. وم يبقى سوى أن أنفذ هذا المشروع.
في صبيحة 29 جويلية 1957 حدث امر لا شك بسيط ، ولكن كان له مغزى كبير زاد في قوة عزيمتي ، وأعطاها طابعا أكثر قساوة.
نعم...! لقد كانو ظرفاء ، اولئك الجنود الأدنياء ، اللذين جاؤو ذلك اليوم لوضع اعمدة تلغرافية بالقرب من مركزنا في بن سحابة ، كانو ظرفاء مثل ضباطهم المتصفين بالعجرفة والكفاية ، ولكن ما العمل؟! إن منظر الفتيات في المشاتى اثار لا شك نزواتهم ،إاذ أنهم اغتنمو وضعهم القوي ، وهتكوا عرض ثلاث منهن ، ثلاث فتيات تعيسات ، لقد هتكت اعراضهن ولوثنا بالعار وهن أحق بالاحترام والكرامة.
كانت الساعة العاشرة من ليلة 30 جويلية 1957 الموعد الذي حدده المصير المتمثل في ضابطي جيش التحرير الوطني : جمال جلول بن طويجن و أنا شخصيا (أحمد بن الشريف) .
أحكمت خطة الهجوم على المركز الذي كان تحت قيادتي بدقة محكمة روعي فيها تجنب القضاء على الأرواح البشرية بقدر الإمكان ، ولكن مع الاسيتلاء بإي ثمن على الكمية الهامة من الأسلحة والذخيرة الموجودة بالمركز.
طلبت ذلك اليوم إمدادات بالراديو من النقيب (د) قائد السرية وقد ارسل لي شحنة هامة من الذخيرة والقنابل اليدوية ، كما زار المركز ذلك اليوم كذلك مساعد قائد الكتبة الذي سلمته رسالتين راجيا منه إيداعهما بريد سور الغزلان .
ابلغت الرسالتين والدي وزوجتي بالقرار الخطير الذي اتخذته ، وطلبت منهما الإيمان بمستقبل الجزائر الحرة المستقلة.
في ذلك اليوم إذن ، وفي الساعة المحددة ، كنت انتظر إنجاز الخطة التي قررتها دون شفقة ولا رجعة.
كان مقرراوصول سرية لجيش التحرير الوطني من ناحية المشاتي المحجوبة عن أنظار الحارس الذي يلهيه في تلك الساعة بالذات أحد رجالنا.
كانت نيتي الاولي تقتصر علي تجريد جميع فصيلتي من الاسلحة، لكن أقدار العناية الالهية الخافية قررت عكس ذلك.
لقد أطلق الانذار أحد الرماة الذي كان موجودآ في الحصن ، وكان ذلك إشارة لتبادل إطلاق النار، مما أدي إلي قتل أو جرح جميع الرمااة الذين اختاروا مقاومتنا ، وغنم جيش التحرير الوطني ، في هذه الليلة المشهودة ، كميات هامة من الأسلحة والذخيرة تقدر بحمولة 40 بغلأ ، كما انضم إليه محاربون من ذوي العزم و الصرامة . وكان لهذه العملية ، علي الصعيد الوطني ، بعيد الصدي و الأثر .
كان عملنا بالنسبة للمسلمين العاملين في الجيش الفرنسي قدوة لهم وإشارة للالتحاق بنا. وفعلآ ، التحق بنا أحسنهم ، أما الآخرون ، فقد فقدوا ثقة رؤسائهم وأصبحوا موضع سخط واستنكار المواطنين . وكانت بالنسبة لي بداية حياة جديدة ، حياة قاسية وشاقة ، مليئة بالآلام و التضحيات ، حياة جافة قاحلة ، حيث متطلبات الجسم ، لايمكن قط أن تستجيب لمتطلبات العقل إن السير المضني والممل عبر الجبال كان بالنسبة لي فرصة لتعميق ذاخلي وسر روحي يتطلب المزيد دون قناعة.
تخلصت بفضل الثورة ، من عالم تسيطر عليه القوات الرجعية ، لأحقق في العمل الجديد كل ما أصبو اليه.
لقد انتقلت تلك الليلة إلي عالم الأحلام و الرضوان ، وكان سيرنا عبر الجبال يعطي صورة شبه وهمية للأحداث المفجعة التي عشناها منذ قليل.
بعد ثلاث ساعات من السير في هدوء الليل ، وصلنا مع الفجر مشاتي أولاد خلوف . وقد عمهم السرور وظهرت البهجة و الفرح علي جميع الوجوه .
فرح تلقائي لا نظير له لشعب متعطش للحرية ، جاء يستقبل واحدا من أبنائه ، لقد ارتفعت أصوات الفرح و الزغاريد و الأناشيد الوطنية وقد امتزجت في سنفونية عظمي لتشق هدوء التركت وديان .
جاء الناس من كل ناحية وصوب ، ماشين عليالأقدام أو راكبين الخيل وهم يرحبون و يهللون ، ثم التفوا حول الجند ليتمتعوا بكلامهم وهم يقصون عليهم أحداث هذه الليلة التي لا تنسي . بعد بضع ساعات ، وقد ارتفعت الشمس في كبد السماء ، انطلق الشعب متوقعا غدر طائرات المراقبة للعدو ، يتجمع من جديد حول المشاتي ، ويعبر عن أفراحه علي الطريقة الساذجة التي ورثناها عن آبائنا .
ضربات الطبول تملأ الأسماع ، وألحان المزامير الشجية الحزينة تثير في نفوس الحاضرين من الذكريات و الحسرة ، والأمل .
وتوالت في جو من البهجة والفرح ، الرقصات الخفيفة المرحة ، وعدو الفرسان الرائع ، وعرض المآثر الوطنية وأناشيد الحرب ، وتم ذبح أحسن الخرفان ، وأعد أشهي وألذ الكسكسي .
إن هذا الشعب الذي قاسي الكثير ، والذي حافظ – بعيدآ عن حياة المدن الملتبسة – علي كل طيبته وصفائه ، يمكن أن يكون قدوة لخيارنا ، أما أنا فكنت أشعر بفرح لايوصف لمقاسمتي هذه البهجة الشعبية ، التي تركت أثرآ بالغآ في أعماق نفسي .
إن الرابطة الاصلية ،وحتي البيولوجية التي تربطني بالشعب قد تجددت وسيكون لكفاحي معني واضح من الآن .
فمن وراء الفكرة الرئيسية التي تتمثل في الوطن الجزائري ، ستكون معركتي الكبري من أجل هذا الشعب الحر الأبي .